المدينة المنورة

المدينة المنورة - مدارس ثامر العالمية

بقلم: يوسف عاطف / التاسع (ب)

يقول الإمام الشافعي:

تغرَّبْ عن الأوطان في طلب العلى *** وسافِر ففي الأسفار خمس فوائد تفرُّجُ هَمٍّ واكتسابُ معيشةٍ *** وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد

نعم، فالسفر يحمل لنا في طياته منافع عظيمة ربما لا يمكن أن نحققها فيما سواه، فما بالك عندما يكون السفر إلى طيبة الطيبة مدينة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؟

لطالما حلمت برحلة تحملني إلى بلد النبي الكريم مع أصدقائي ومعلمي كما كنت أرى وأنا صغير تلك الرحلات المنطلقة كل عام من مدرستنا، المكان الذي اختاره المسلمون ليكون أول عاصمة إسلامية، وأكثر مكان يعبق بالإيمان بعد مكة المكرمة. فيه دفن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجمع كبير من أصحابه. وكم كانت سعادتي غامرة لحظة وصلني خبر من معلمي بأن هناك رحلة للمسجد النبوي وستنطلق قريباً، تهلَّل وجهي وانفرجت أساريره، وخرجت حروفي كزغردة يهتز لها القلب. كانت ظلمة الليل التي تطل من النافذة تزيدني شوقاً، لتتسع حدقتا عيني وتشتد نبرة صوتي عند الحديث عن هذا الحدث المشوق.

انطلقت السيارة بنا تحملنا إلى حيث القلوب سبقتنا، فازدادت الرحلة جمالاً على جمال من خلال الأنشطة أثناء الطريق. وعندما وصلنا أمام المسجد النبوي فاضت عيناي بالدموع، ومما زاد دمعي رؤية دمعة على وجنة شيخ مجعدة تعدل في أثرها كل ما تذرفه أجفان الفتيان. وفي لمح البصر رسمت صورة تعلو وترتفع بها الأذهان، إنها صورة المسجد تُحرّكها نسمات الهواء الناعمة، وأصوات التكبيرات ترنِّ في أذني.

كانت أرضية المسجد مكسوّة ببُسُطٍ منسوجة من أضواء الأبراج. وقف رجال الأمن في الشوارع لمساعدة الزائرين في هذا المكان الطاهر. دخلنا المسجد وذُهلنا من الأعداد الهائلة التي كانت بداخله. ولعل الميزة التي لن يغفل عنها أحد والتي ستجعل المدينة المنورة مكاناً فريداً من نوعه هي تواضع أهلها وطيبتهم.

أتى موعد صلاة العشاء فتقدمت أنا وصديقي للصلاة، فبدأت تكبيرات الإمام بصوته المرتل، واجتمع الحمام ورسم صورة ثرية بالمعاني على قبة المسجد الخضراء التي اشتهر بها المسجد النبوي.

وبعد الصلاة توجهنا إلى قبر النبي والخلفاء الراشدين، والذي أبهرني فيه جهود رجال الأمن وهم يحاولون مساعدة الزوار للدخول بكل يُسر لإلقاء التحية على النبي وصاحبيه.

في اليوم التالي ذهبنا إلى البقيع، وهي مقبرة محاذية للحرم النبوي دُفن فيها عدد كبير من الصحابة والمسلمين والصالحين. بعدها حملتنا الأقدام إلى متحف القرآن الكريم، ثم بعد ذلك زرنا مقبرة شهداء أُحُدْ قبل أن نعود أدراجنا إلى مدينة جدة. عُدتُ وأنا أحمل معي حقيبتين: أغلاهما كانت حقيبة مفعمة بالذكريات والسكينة والرضى.

المصدر: مجلة شهد الكلمة - العدد الثاني - أبريل 2018-2019